في ميدانِ العملِ حيثُ تتقاطعُ الطموحاتُ بالواجباتِ، وتتصافحُ الإرادةُ بالمصلحةِ، يقفُ عقدُ العملِ شامخًا كوثيقةٍ ضابطةٍ تحفظُ الحقوقَ وتُضبطُ العلاقاتِ وتُشكِّلُ الإطارَ النظاميَّ الناظمَ بينَ العاملِ وصاحبِ العملِ. ليسَ عقدُ العملِ مجردَ ورقةٍ تُوقَّعُ على عَجَلٍ، بل هو ميثاقٌ مُلزِمٌ، بُنِيَ على أعمدةِ القانونِ وشُدَّتْ أركانُهُ بحكمةِ النظامِ وفُصِّلَتْ بنودُهُ لحمايةِ التوازنِ بينَ طرفَيِ العلاقةِ الوظيفيةِ.
لقد أولى المشرعُ السعوديُّ هذا العقدَ عنايةً دقيقةً، فجعلَ لهُ من نصوصِ النظامِ ما يُحصِّنُهُ، ومن القواعدِ ما يُضبِطُهُ، ومن الضماناتِ ما يحفظُ بهِ حقوقَ كلِّ ذي حقٍّ، فجاءَ نظامُ العملِ السعوديُّ واضعًا تعريفًا جامعًا مانعًا لهذا العقدِ، إذ نصَّ في مادتهِ الخمسينَ على أنَّ عقدَ العملِ هو كلُّ اتفاقٍ بينَ عاملٍ وصاحبِ عملٍ، يلتزمُ بموجبهِ العاملُ بالعملِ تحتَ إشرافِ صاحبِ العملِ أو إدارتِهِ مقابلَ أجرٍ؛ تعريفٌ يُظهرُ جوهرَ العقدِ، ويكشفُ عن ثنائيةِ العلاقةِ: التبعيةُ مقابلَ الأجرِ.
وإذا كان الأصلُ في العقودِ هو الرضائيةَ، فإنَّ نظامَ العملِ بما يحملهُ من طابعٍ حمائيٍّ، أوجبَ الكتابةَ في مواضعَ، وحثَّ عليها في أخرى؛ فالكتابةُ ليستْ ترفًا شكليًّا، بل ضرورةً عمليةً تُنهي الجدلَ، وتُثبتُ الحقوقَ، وتُجسِّدُ الاتفاقَ بصيغتِهِ الحقيقيةِ، وما أكثرَ النزاعاتِ التي نشبتْ لا لشيءٍ إلا لأنَّ العقدَ لم يُوثَّقْ أو كُتِبَ بما لا يحتملُ.
وفي بنيةِ عقدِ العملِ، لا بدَّ أن يتضمَّنَ حدًّا أدنى من البياناتِ كاسمِ العاملِ وصاحبِ العملِ، وطبيعةِ العملِ، والأجرِ وملحقاتِهِ، وتاريخِ البدءِ، ومدى التزامِ الطرفينِ بشروطِ التجربةِ إن وُجدتْ، وهي ليستْ تفاصيلَ إداريةً كما قد يتوهَّمُ البعضُ، بل أعمدةً قانونيةً لا يقومُ العقدُ بدونِها.
وعقودُ العملِ في المملكةِ تأخذُ بأحدا شكلينِ؛ إمَّا أن تكون عقود محددُ المدةِ، وهو ما تُعيَّنُ مدّتُهُ وينتهي تلقائيًا بانقضائها أو بإتمامِ العملِ، ويعدُّ الزمنُ فيه عنصرًا جوهريًا، او عقود غيرُ محددِ المدةِ، وهو ما يقومُ على الاستمراريةِ دون تحديدِ زمنٍ لانتهائه، ولكلٍّ منهما ضوابطُ وآثارٌ نظاميةٌ تميّزُهُ فالأولى تحكمُ بالزمنِ، والثانيةُ تُنظَّمُ بالإرادةِ، ولكلٍّ ضوابطُهُ ومآلاتُهُ، لا سيما في حالِ الإنهاءِ، حيثُ يبرزُ مفهومُ السببِ المشروعِ، وفتراتُ الإشعارِ، والتعويضُ عندَ الفصلِ غيرِ المشروعِ، ومكافأةُ نهايةِ الخدمةِ، التي تمثلُ عندَ نهايةِ العلاقةِ حقًّا مكتسبًا لا يجوزُ المساسُ بهِ.
وما بينَ سطورِ العقدِ قد يندسُّ شرطٌ باطلٌ أو جزئيةٌ مجحفةٌ، لذا أوجبَ نظامُ العملِ في المادةِ الثامنةِ ألَّا يتضمَّنَ عقدُ العملِ ما يُخالفُ أحكامَهُ أو ينتقصُ من حقِّ العاملِ المشروعِ، ولو رضيَ بهِ؛ فالسكوتُ عن الحقِّ في هذا السياقِ ليسَ قبولًا، ولا يُعدُّ تنازلًا.
عقود العمل في المملكة العربية السعوديةولأنَّ التوظيفَ اليومَ لم يعدْ شأنًا تقليديًّا، بل جزءًا من بناءٍ مؤسسيٍّ متكاملٍ، فإنَّ العنايةَ بصياغةِ عقودِ العملِ وتحديثِها بما يتفقُ مع التعديلاتِ النظاميةِ، والامتثالَ للأنظمةِ الإلكترونيةِ كتوثيقِ العقدِ في منصةِ قوى، لم تعدْ خياراتٍ، بل التزامًا قانونيًّا ومؤشرًا على المهنيةِ والامتثالِ.
في ظلِّ التغيراتِ المتسارعةِ في بيئةِ العملِ، والتطوراتِ النظاميةِ المتواصلةِ، تظلُّ عقودُ العملِ مرآةً حقيقيةً لمستوى الحوكمةِ داخلَ المنشأةِ، وكلُّ عقدٍ يُصاغُ بلغةِ القانونِ ويُحرَّرُ بعقلٍ حقوقيٍّ، هو صمامُ أمانٍ لطرفيهِ، ولبنةٌ في صرحِ العدالةِ العماليةِ.
ومن هنا، فإنَّ شركةَ عدلٍ الأولى للمحاماةِ تضعُ بينَ أيدي عملائِها منظومةً متكاملةً من الخدماتِ القانونيةِ المختصةِ في أنظمةِ العملِ، تشملُ صياغةَ العقودِ ومراجعتَها وتوثيقَها، والترافعَ في المنازعاتِ الناشئةِ عنها بما يضمنُ الامتثالَ التامَّ، والحمايةَ القانونيةَ الرصينةَ.